بقلم الاستاد ( ي.م
بعيدا عن دهاليز السياسات الدولية والحسابات الإقليمية، شكلت المسيرة الخضراء حمولة رمزية استنفدت كل الحلول التقليدية في التعاطي مع قضايا التحرر والمقاومة التي خاضتها الشعوب الواقعة تحت رزح الاحتلال الأجنبي، وذلك منذ حقبة الخمسينات والستينات، والتي بدأ يصيبها التهلهل والانكماش في ظل حالة استقطاب فكري وسياسي شديد بين معسكر شرقي بقيادة الإتحاد السوفياتي ومعسكر غربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تلك الأجواء، وبعد الخروج من حالة الترضية التي تحصل عليها العرب في حرب أكتوبر، جاءت المسيرة الخضراء لتضيف إلى رصيد الكفاح السلمي شكلا جديدا من أشكال دحر الاحتلال والهيمنة الأجنبية.
في حالة اللاسلم واللاحرب التي كان يعيشها العالم، جاء النداء الملكي السامي إلى الشعب للتوجه إلى الصحراء المغتصبة، والتي عمل المغرب على تسوية ملفها القانوني متمثلا في الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، وأمام حالة التمنع الشديد من قبل إسبانيا من جهة، والتململ الجزائري من جهة أخرى، كانت المسيرة الخضراء قد تمظهرت بممارسة فعلية وواقعية، تمظهرت بتفعيل الشعار الوطني الكبير: الله، الوطن، الملك، حيث أنها جاءت إنطلاقتها بنداء ملكي سامي .
هذه المسيرة أيضا تمظهرت خلال حدوثها بتوظيف مقومات الهوية الوطنية في أبسط صورها، حيث يجتمع المثقف والأمي، والشمالي والجنوبي، والقبلي والغرباوي، والأمازيغي والعربي، اجتمعوا في بوثقة واحدة أركانها: حمل العلم الوطني كشعار وطني متفق عليه دون شك، وحمل المصحف: كلام الله المكتوب بين دفتيه، وهنا تكتمل كل مفردات الشعار الوطني، وكأننا نقول للطرف الآخر: نحن نسير إلى أرضنا بشروطنا، ونلتحم مع صحرائنا قوامنا مرتكزات هويتنا الوطنية لا غير، بلغة نعرفها نحن وإخواننا في الصحراء: الله أكبر.
أصيب الطرف الآخر بالذهول، كما أصيب جيراننا أيضا، هي مسيرة لا مجال فيها لممارسة الفعل العسكري، والماكفات الاستخبارية، أو التجاذبات السياسية أو الحزبية، بل هي مجال حي لتصفية الاستعمار في منطقة من مناطق المغرب، هذا االمغرب الذي تد رج في فعله التحرري: شمالا من المقاومة المسلحة، ووسطا بالكفاح السياسي، ثم التحاما مع العرش قي ثورة عامة، ثم بعد نيل الاستقلال بادر ( رجال الوطن) إلى الانخراط في جيش التحرير، وانتهاء بمسيرة سلمية مظفرةتت.
هكذا صنع المغرب حريته بألوان هي نقسها ألوان علمه الوطني: الأحمر والأخضر، فلم يجنح لأساليب سوداء، أو ثورة صفراء أو برتقالية أو غير ذلك.
لقد انطلقت المسيرة الخضراء بخطوات حثيثة من أفراد وجماعات تقاطرت من كل جهات المغرب، وانتهى دورهم باسترجاع الأقاليم الجنوبية، لتنطلق مسيرة خضراء يخطوها شعب بأكمله، هي مسيرة التنمية والبناء، مسيرة خضراء كواقعة زمنية محدودة ماهيتها أشخاص طبيعيون، وتتلوها مسيرة خضراء كبرى لا تزال مستمرة حتى الآن، بسواعد دولة وملك وشعب.
مسيرة خضراء رموزها ودلالاتها تتكرر قي كل ا ن وحين و في كل ربوع المغرب، وتستحضر ذكراها بقوة عند السادس من نونبر من كل عام