تحرير:رشيد حدوبان
أضفى تزامن شهر رمضان المبارك هذه السنة مع أيام الصيف الحارة على منطقة أوريكا بإقليم الحوز جمالية خاصة وزاد من سحرها وبهائها، مما جعلها تعيش أجواء حميمية وروحانية في جو مليء بالفرحة والابتهاج. واللافت أن أوريكا تستثمر حرارة الصيف التي تميز صيف المناطق المجاورة خصوصا مراكش لكي تتحول، بأشجارها ومياه واديها، إلى ملاذ ووجهة مفضلة للباحثين عن الهواء البارد والخضرة المنعشة ، والأجواء الروحانية التي تمتزج بالهدوء والسكينة ، والهاربين من حر واختناق المناطق الداخلية بشمسها وحرارتها المفرطة، خصوصاً خلال شهور الصيف.
وساعة قبل الإفطار، دواوير وقرى على طول وادي أوريكا تعرف حركية ودينامية، غير مسبوقة ، لعشرات من العائلات المغربية ، والتي جاءت من مختلف مناطق المملكة ، للاستجمام و هربا من حر الصيف ، جعل معها الفنادق ودور الضيافة والمنازل المخصصة للكراء تنتعش بشكل لافت ، مما شكل فرصة ذهبية للنهوض بالنشاط الاقتصادي للمنطقة.
عبر طريق “ستي فاطمة”، تقدم الطبيعة أجمل عروضها من الخضرة والأشجار، فتأخذ الأجواء طابعا متميزا ، حيث منظر المقاهي والفنادق التي تعرض مائدة الإفطار على الطبيعة يأسر الزوار ، وحيث الإحساس بالبرودة يتلون ببعض قطرات المطر التي تنعش وجوه الزائرين. في المقابل وعلى بعد نصف ساعة ، مدينة مراكش تحت حرارة شديدة وشمس مشتعلة ، وهنا زخات المطر وبرودة الطقس وظلال الأشجار وروحانية أجواء رمضان تعيد للزائر توازنه في منطقة أوريكا.
الطريق يقود الزوار لقرية أولماس، حيث تتكاثر علامات الفنادق الصغيرة والمطاعم والمقاهي، والتي تتفننفي إظهار ما سيتم تقديمه من أطباق متنوعة من الطبخ المغربي والمحلي على مائدة الإفطار.حيث الحساء والتمور و أباريق الشاي على قائمة الأكل ، فيما الجلوس على الكراسي والزرابي يمنح معاني الاستجمام لا يتطلب مالا كثيراً، وبالمقابل سحنة الوافدين تعطي فكرة واضحة عن رواد أوريكا. عمال مغاربة مهاجرون جاءوا الى المنطقة بحثاً عن دفء “البلاد” المفتقد عبر سنوات الغربة، أما الباقون فسياح غربيون ومغاربة جائوا الى أوريكا من مدن الشمال المغربي ومن الدار البيضاء وفاس والرباط ، جاءوا للتخييم و لقضاء شهر رمضان على طول جنبات وادي أوريكا.
وعلى امتداد قرى أوريكا المطلة على الوادي، تلاحظ حركة ورواج كبيرين، إذ يقبل شباب المنطقة على استغلال جنبات الطريق المحاذية للوادي المتدفق بمياهه العذبة، لعرض السلع والمواد الغذائية الضرورية في هذه الفترة من السنة. كما تعتبر هذه المناسبة، فرصة مواتية لبعض الصناع التقليديين لعرض منتوجاتهم للبيع بمحاذاة الوادي ، حيث تبدو الزرابي والمعروضات الخزفية والخشبية المستعملة بشكل كبير في المطبخ خلال هذا الشهر الفضيل أشبه بلوحات فنية تزيد المنطقة الخضراء بأشجارها والفاتنة بحمرة تراب جبالها والدور القريبة منها جمالاً ومتعة.
وعلى غرار مناطق المملكة ، وفي كل ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم، يفضل أرباب الأسر والبالغين التوجه إلى المسجد الكائن بإحدى قرى ودواوير أوريكا ، لأداء صلاة العشاء والتراويح جماعة وقراءة القرآن الكريم وتلاوة السنة النبوية.
وفي ظل شهر يسود فيه الخشوع والتقوى واستحضار التعاليم الاسلامية الداعية الى التسامح والتضامن، يولي السكان المحليون في قرى أوريكا عناية كبيرة لحسن الضيافة واستقبال الزوار ،وللعمل الخيري، الذي يعد تقليدا دأبت عليه الأسر المحلية على نهجه خلال أيام رمضان عبر التكفل بالأسر المعوزة خاصة منها الجيران، وذلك بتنظيم موائد إفطار جماعية بالإضافة الى تقديم وجبات الطعام والمواد الغذائية.
وبعد صلاة التراويح، تعرف جنبات وادي أوريكا المضاءة ، و مختلف المطاعم والفنادق والمقاهي المطلة على الوادي دينامية خاصة مما يعطي لأوريكا سحرا فريدا من نوعه ويساهم بشكل كبير في تنشيطها اقتصاديا.
وإذا كان بعض السكان يفضلون الجلوس داخل الفنادق ودور الضيافة للراحة، فإن البعض الآخر يلجؤون إلى المقاهي و المطاعم لتبادل أطراف الحديث مع الأصدقاء والأقارب للترويح عن النفس والاستمتاع بسحر الطبيعة و رطوبة الجو.
وعند قرية ” ستي فاطمة” أعلى مناطق أوريكا و الموجودة ، على بعد 1500 متر من العلو على سطح الأرض، يستثمر بعض الفنانين الشعبيين الرواج السياحي بأداء أغاني محلية مستلهمة من تراث المنطقة التي صارت قبلة المستثمرين من أجل شراء الأراضي التي تغري الوافدين ، مستفيدة من وفرة الماء ومن ظروف طبيعية ملائمة.
وبامتزاج الأجواء الروحانية لشهر رمضانبسحر الطبيعة في أوريكا، فإن الزوار لهذه المنطقة الواقعة عند سفوح سلسلة جبال الأطلس سيحملون معهم ذكريات جميلة لا تنسى تذكرهم بطبيعة توفر لهم أجواء روحانية تدفع عنهم حر الصيف ، و يستمتعوا من خلالها بظلال وارفة وهدوء منطقة غارقة في خضرتها ووديانها.